مداخلة بعنوان “المدارس الصوفية في إفريقيا: معالم وأعلام – الطريقة التجانية نموذجاً” للأستاذ يونس توري الشيخ رئيس المجلس الاتحادي التيجاني بكوت ديفوار، مؤسس ومدير معهد المنارة الإسلامية و عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية كوت ديفوار خلال الدورة التواصلية الثانية للمؤسسة في موضوع: «الثوابت الدينية في إفريقيا: الواقع والآفاق» المنعقدة أيام 6 و7 و8 رمضان 1439هـ الموافق لـ 22 و23 و24 ماي 2018م بالرباط.
لقد عرفت أفريقيا جنوب الصحراء التصوف مع دخول الإسلام، إذ كان للمشايخ الصوفيين دور كبير في نشر الإسلام في تلك المنطقة، وكانت أول الطرق الصوفية وصولا إلى المنطقة هي الطريقة القادرية التي أسسها الشيخ عبد القادر بن موسى بن عبد الله الحسني الجيلاني رضي الله عنه. ولد رضي الله عنه في عام(471هـ /1078م) بجيلان، الواقعة حاليا في دولة إيران، تتلمذ على يديه أكثر فقهاء زمانه، وتاب على يديه كثيرون، وأسلم معظم يهود ونصارى بغداد على يديه. وتوفي رضي الله عنه في ليلة السبت ثامن شهر ربيع الآخر سنة (561هـ /1166م)، ودفن في رواق مدرسته.
وانتقلت الطريقة القادرية إلى المغرب منذ عام (1198م) في حياة مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه، وذلك من خلال العالم المراكشي أبي مدين الغوث (تـ 594هـ /1198م) بعد أن تلقاها مباشرة من مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني في مدينة بغداد، بعد أدائهما لشعيرة الحج.
وفي القرن السادس عشر الميلادي أدخل الشيخ سيد عمر الشيخ الكنتي الطريقة القادرية إلى جنوب الصحراء، وذلك حين تولى مشيخة الطريقة القادرية بعد وفاة شيخه محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني (909هـ /1504م)، فانطلق يجوب هذا النطاق الجغرافي الممتد من حوض نهر النيجر وبلاد السودان جنوبا إلى أقصى شمال بلاد المغرب داعيا الناس إلى مبادئ الدين الحنيف، ومربيا الأجيال على مبادئ طريقته القادرية البكائية الكنتية، وتوفي رضي الله عنه في إحدى رحلاته الدعوية بالقرب من بلدة أقا (Akka) في جنوب المملكة المغربية.
ويعد الشيخ المختار ولد أحمد (1811م)، أول من أسس زاوية قادرية في جنوب الصحراء، ببلدة ازواد (Azawad) بشمال تمبكتو، وأصبحت تلك الزاوية أول مركز للطريقة القادرية جنوب الصحراء.
وقد انتشرت القادرية البكائية أو المختارية جنوب الصحراء، وكنيت بالبكائية نسبة إلى الشيخ أحمد البكاي بودمعة العقبي الفهري، والد الشيخ عمر الشيخ ،الناشر الأول للورد القادري بجنوب الصحراء، كما تعرف بالمختارية نسبة إلى الشيخ المختار الكبير، وهو مصلح ديني اشتهر في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.
واستمر انتشار الطريقة القادرية جنوبا من خلال جهود فردية لبعض المشايخ والتجار، وانتسب للطريقة القادرية بعض الزعماء البارزين في المنطقة مثل الشيخ أحمد لوبو باري (تـ 1265هـ /1848م) مؤسس دولة ماسينا الإسلامية ،والشيخ عثمان دان فودي (تـ 1232هـ/1817م) مؤسس دولة صوكتو الإسلامية.
ومازال للطريقة القادرية وجود قوي في دول جنوب الصحراء، وينتسب إلى الطريقة مريدون من مختلف الطبقات الاجتماعية، ولكنها صارت في المرتبة الثانية بعد أن كانت تحتل الصدارة، وذلك بسبب ظهور الطريقة التجانية.
و الطريقة التجانية هي طريقة إفريقية المنشأ، إذ نشأت شمال أفريقيا، وتوغلت إلى جنوبه، ويعد الشيخ أبو العباس أحمد التجاني رضي الله عنه (تـ 1815م) «شيخ الطريقة التجانية » من أبرز وأهم أعلام التصوف في تاريخ القارة الأفريقية، وقد أسس زاويته في حاضرة فاس المحروسة، فصارت فاس بذلك القلب النابض للتصوف والعاصمة الروحية لأفريقيا، إذ لقن بهذه الزاوية المباركة لمريديه ولأصحابه الأذكار والأوراد وتعاليم الطريقة التجانية؛ المبنية على الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، كما تولى بنفسه المرضية تربيتهم وإرشادهم ،وقد أجاد الشيخ الرياحي (تـ 1266هـ) في قوله:
وما ظنونك بالوِرْدِ الذي نظمت يد النبوة هل يُبنى بلا ساس
وما تظن بمنهاج لسالكه أمناً من أهوال نيران وأرماس
وكان نتائج ذلك أن تخرج على يدي فضيلته ثلة مباركة من المريدين؛ الذين ارتقوا إلى مقام الخلافة فحملوا على عواتقهم نشر ماتلقوه عن مولانا رضي الله عنه من أوراد، وتعاليم، وقيم حاثة على عيش الإنسان في سلام مع محيطه، ومشعة للاستقرار النفسي والطمأنينة الروحية، التي تولد في الإنسان توازنا في علاقاته مع ربه ونفسه ومجتمعه، فانطلق شعاع الطريقة الصوفية التجانية السنية من مدينة فاس إلى ربوع القارة، وإلى العالم بأسره.
فلا تكاد تخلو أي مدينة من المدن الأفريقية من زاوية أو مدرسة للطريقة التجانية، كما قام بعض خلفاء الشيخ التجاني رضي الله عنه وأرضاه، بأدوار تعد علامات بارزة في تاريخ القارة، ومن جملة هؤلاء الأعلام: السيد محمد بن المختار التجاني الشنقيطي المتوفى عام ( 1299هـ)، والشيخ عمر الفوتي المتوفى عام (1280هـ)، والشيخ أحمد حماه الله (1943م)، والشيخ إبراهيم نياس المتوفى عام ( 1395هـ).
وعليه، فإن هذه المداخلة ستشتمل على ثلاثة محاور:
-
المحور الأول: الزاوية التجانية الأم بمدينة فاس المحروسة.
-
المحور الثاني: شيخ الطريقة مولانا أبو العباس أحمد التجاني.
-
المحور الثالث: بعض خلفاء الطريقة التجانية في أفريقيا.
-
أولا: السيد محمد بن المختار التجاني الشنقيطي.
-
ثانيا: المجاهد الشيخ عمر الفوتي.
-
ثالثا: الشيخ حماه الله.
-
رابعا: الشيخ إبراهيم نياس.
-
المحور الأول: الزاوية التجانية الأم بمدينة فاس المحروسة
لقد بنيت الزاوية التجانية بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم لمولانا أحمد التجاني، إذ أمره صلى الله عليه وسلم أن يبنيها ويختار لها أطهر الأماكن وأطيبها ،فاختار الشيخ رضي الله عنه بعض الأماكن، واستشار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يشتري بحر ماله قطعة الأرض الخربة من أملاك أولاد أقومي التي بحومة الدرداس المعروفة الآن باسم حومة البليدة، وكانت خربة مهيبة لا يقدر أحد على أن يدخلها وحده، وقد كان من عادة مجاذيب فاس أن يأتوها وكانوا يخبرون بأنهم يسمعون فيها جماعة يذكرون الهيللة.
وقد حاول بعض من عادى الشيخ رضي الله عنه عالمين بقدره حقدا وحسدا، أن يمنعوه من بناء الزاوية، حتى رفع الأمر إلى السلطان العلوي مولاي سليمان رحمه الله، فسمح ببنائها، وأمر ألا يتعرض أحد للشيخ أحمد التجاني في بنائها، وأرسل إليه صرتين في كل واحدة منهما ألف درهم مشاركة في بناء الزاوية، فاعتذر الشيخ رضي الله عنه عن قبول المال، وقال: لسنا في حاجة إليه والزاوية أمرها قائم بالله.
وقد بدأ بناء الزاوية في أوائل عام (1214هـ) واختار بعض أصحابه للإشراف على بنائها، منهم سيدي عبد الكريم السقاط، وسيدي هاشم بن معزوز، وسيدي علي أملاس، والسيد الغالي بو طالب، وسيدي الحاج محمد بن حيون الفاسي، رضي الله عنهم أجمعين، وانتهى العمل من تشييدها عام (1215هـ).
لقد كانت الزاوية في أول بنائها يجلب إليها الماء في القرب، ويستعملون الأباريق في صب الماء، فأراد الحاج أحمد بن عبد الله أحد أصحاب الشيخ رضي الله عنه إجراء الماء الذي بداره المجاور للقرويين إلى الزاوية، فمنعه من ذلك بعض المبغضين الذين جرت قواديس مياههم بالطريق، فشد سيدي أحمد الرحلة إلى مكناس ومعه ابن عمه سيدي المكي بن عبد الله بعد أن شهد لهم المختصون أنه لا ضرر في إجراء الماء على أحد، ورفعا الأمر إلى الأمير، فأمر بإجرائه على رغم أنوف المبغضين، ولما عادا إلى فاس أجزلا العطاء للمعلمين ليوصلوا الماء إلى الزاوية في ليلة واحدة، ففعلوا ذلك من غير علم الأحباب، فلما جاؤوا في الصباح وجدوا الماء يجري ففرحوا بذلك فرحا عظيما.
وكان أصحاب الشيخ رضي الله عنهم لا يجدون الراحة والسعادة إلا في الزاوية، وكثيرا ما كان يأتي معهم أقاربهم وأصدقاؤهم لرؤية الشيخ رضي الله عنه والانتفاع بعلمه والتبرك به وطلب الدعاء منه.
وكان الشيخ أحمد التجاني ينوه بقدر الزاوية المباركة فقال رضي الله عنه: «لو علم أكابر العارفين ما في الزاوية من فضل لضربوا عليها خيامهم»، ومن ذلك أيضا قوله رضي الله عنه: «الصلاة في الزاوية مقبولة قطعا»، ويكفي في شرف الزاوية التجانية الأم ما قاله صلى الله عليه وسلم لشيخنا عنها، حيث قال: «هذا مكاني ولا أحب أن تبقى فيه تباعة لمخلوق».
لقد توالت التوسعات والزيادات والإصلاحات على الزاوية، كما تم العناية بزخرفتها وتزيينها بالزليج والجبص. ونقش على جدرانها سورا من القرآن الكريم، إذ نقشت فيها سورة يس والفتح بالجبص على السواري فوق الزليج، وكذلك آخر سورتي الحج وسورة المؤمنون حوالي عام (1375هـ)، كما نقش فيها العديد من القصائد والأسماء الشريفة والآيات الكريمة على مراحل متعددة.
وأول مقدم رسمي بزاوية الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه بعد وفاته، هو الخليفة سيدي الحاج علي حرازم برادة، ثم خلفه سيدي محمد الكبير لحلو، ثم خلفه مولاي الطاهر ابن المتوكل، ثم خلفه سيدي الغالي بن عزوز، ثم الشريف سيدي الطيب السفياني، ثم الشريف إدريس العراقي.
وقد تعاقب المدرسون كذلك على الزاوية لتعليم الناس أمور دينهم بعد وفاة الشيخ أحمد التجاني، وأولهم كان العلامة سيدي أحمد البناني، ثم خلفه العلامة سيدي الحاج محمد كنون، ثم العلامة محمد بن عمر العلوي، ثم خلفه العلامة رئيس المجلس العلمي بعد استقلال المغرب سيدي الحاج الحسن بن عمر مزور، ثم خلفه في حياته وبعد وفاته الشريف إدريس العراقي.
لقد انطلقت الطريقة التجانية من الزاوية المباركة بمدينة فاس، إلى ربوع القارة الأفريقية، فتشكلت نهضة علمية وثقافية ساهمت في توسيع نطاق نفوذ الحضارة الإسلامية، وأسهمت في انتشال المنطقة من بعض الانحرافات ،والتصدي لأخطار الاستعمار، فقد أنبتت هذه الزاوية المباركة ولا زالت الألوف المؤلفة من الزوايا والأربطة والمدارس على يد أتباعها، وصارت روافد حية تربط بين جنوب القارة وشمالها، واستمرت وفود الحجيج والزوار في التدفق إلى فاس لزيارة زاوية الشيخ أحمد التجاني من سائر أرجاء القارة وسائر أنحاء العالم ،مما أضاف إلى حاضرة فاس المحروسة بُعداً رُوحيا عميقا، بالإضافة إلى بعدها العلمي المعروف، فـ الطريقة التجانية تعد من أكثر الطرق الصوفية انتشارا على مستوى القارة والعالم، إذ يقدر أتباع الطريقة التجانية اليوم بـ (450)مليون نسمة من المسلمين في العالم.
المحور الثاني: شيخ الطريقة مولانا أبو العباس أحمد التجاني
هو الشيخ أحمد بن سيدي مَحمد (بالفتح) المختار بن أحمد بن سالم، وهو شريف حسني، وُلد رضي الله عنه عام (1150هـ/1737م) بقرية عين ماضي الواقعة في الجزائر ونشأ بها، حفظ القرآن الكريم في صغره، وبعد ذلك اشتغل بطلب العلوم الأصولية والفروعية والأدبية، حتى تمكن فيها، وجلس للتدريس والإفتاء، ثم مال رضي الله عنه إلى طريق الصوفية، فطلبها حتى تبحر فيها، وفي عام 1170هـ ارتحل إلى فاس وسمع فيها شيئا من الحديث، والتقى ببعض سادتها من أهل الولاية، وأخذ بها الطريقة القادرية، وهي أول طريقة أذن فيها الشيخ رضي الله عنه، ثم تركها بعد حين، ثم أخذ الطريقة الناصرية، ثم تركها بعد حين، ثم أخذ طريقة القطب الغماري السجلماسي، ثم تركها بعد حين، ثم لقنه الولي سيدي أحمد الطواش رضي الله عنه وردا، فذكره مدة وتركه، ثم انتقل ناحية الصحراء قاصدا زيارة الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد، فأقام بها مدة، ومنها عاد إلى عين ماضي، وارتحل بعد ذلك إلى تلمسان، وأقام بها عابدا زاهدا وجلس بها لتدريس علم الحديث والتفسير، وفي أوائل سنة 1181هـ لاحت عليه مبادئ الفتح، ثم خرج من تلمسان لحج بيت الله الحرام سنة 1186م، وفي طريقه للحج أخذ الطريقة الخلوتية ببلدة أزواوة، ولقي عددا من أكابر العارفين أثناء طريقه إلى الحج في تونس ومصر، وفي مكة المكرمة، وبعد أدائه لفريضة الحج وزيارته لجده المصطفى عليه الصلاة والسلام، عاد إلى تلمسان، ومنها إلى فاس مجدداً لزيارة مولانا إدريس الأول، ثم رجع إلى تلمسان، وفي سنة 1196هـ نزل بقرية القطب الكبير سيدي سمغون، واستوطن بها وفيها وقع له الفتح، وأذن له بتربية الخلق وذلك في سنة 1196هـ، وهاجر رضي الله عنه إلى فاس ودخلها في 1213هـ فاستقبله السلطان العلوي مولاي سليمان وأسكنه قصر المرايا إلى أن بنى زاويته المباركة، التي سبق الحديث عنها في المحور الأول، فكان يقوم فيها بتربية السالكين وتهذيب المريدين، وكشف مشكلاتهم، وكشف أحوالهم، ووقره العلماء وعظموه. وتنسب للشيخ التجاني رضي الله عنه ثلاثة كتب، كتبت بيد أخص أصحابه، وهي «جواهر المعاني» وكاتبه سيدي علي حرازم (تـ 1214هـ)، و«إفادة الأحمدية لمريد السعادة الأبدية» وكاتبه سيدي الطيب السفياني، و «الجامع لما افترق من درر العلوم الفائضة من بحار القطب المكتوم» وكاتبه سيدي محمد بن المشري (تـ 1224هـ). وقد حوت هذه الكتب الثلاثة أذكار وتعاليم الطريقة التجانية، بالإضافة إلى تفسير بعض الآيات القرآنية وشرح بعض المسائل الفقهية، وأجوبة الشيخ أحمد التجاني عن بعض الأسئلة التي كانت تطرح على فضيلته، مما أظهر تضلع الشيخ أحمد التجاني في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف، وأثبت سنية الطريقة التجانية ومشروعيتها .
وتوفي بفاس رضي الله عنه يوم الخميس السابع عشر من شوال سنة (1230هـ /1815م)، ودفن رضي الله عنه وأرضاه بزاويته.
المحور الثالث: أبرز خلفاء الطريقة التجانية في غرب أفريقيا
مدخل
الخليفة لغة: من الخلف وهو ضد قدام، وفي التنزيل العزيز: ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأخيهِ هَارُونَ اخْلفْنِي فِي قَوْمِي﴾[1]. وخلفته أيضا إذا جئت بعده، ويقال: خلفت فلانا أخلفه تخليفا، واستخلفته أنا: جعلته خليفتي، واستخلفه: جعله خليفة، والخليفة: الذي يستخلف ممن قبله، والجمع: خلائف وخلفاء.
الخليفة في اصطلاح الطريقة: هو من يخلف عن شيخ الطريقة أو أحد خلفاء شيخ الطريقة بواسطة أو وسائط.
وتعد الخلافة هي أعلى مرتبة قد ينالها المنتسب إلى الطريقة التجانية، وهي مرتبة مهيمنة على غيرها من المراتب، كالشيخ المربي، والمقدم، والمريد.
ويعبر عن مرتبة الخليفة في الطريقة أيضا بصاحب الإذن الخاص المتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم، ويبين الإمام البعقيلي ذلك قائلا: «المقدمون والمربون أهل الإرشاد رعية الخليفة، والمقدمون رعية المربي، والفقراء رعية المقدمين، و الخليفة نائب مشرف على الجميع، ولا تكون الخلافة إلا بالمبايعة من جميع الأرواح والجوامد، ولابد من كتابة المبايعة بأيدي رؤساء الملائكة الأربعة، ولابد من رقم بيد المزكي من الشيخ رضي الله عنه، ولابد من خاتم طابع خاتمه صلى الله عليه و سلم مع كتابة كاتبه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه».
ويلزم متقلد هذا المنصب الرفيع أن يكون متحليا جملة من الصفات الفريدة والشروط الشديدة، وقد استرسل الإمام البعقيلي وأسهب في بيان جملة منها بقوله: «فالخليفة من ألبسه الشيخ كمال حلته وقلده بكمال عدته حسا ومعنى، وهو الصاحب له على الحقيقة، وغيره تابع بعض أثره لا غير ،فيشترط فيه ما يشترط في الشيخ من كمال العلم اللّدني والكسبي، وجمع مراتبه صلى الله عليه وسلم من يوم فتح الله به الوجود فضلا منه وإنعاما ،وأطواره وانتقاله في جبين وجباه وعيون وأصلاب وترائب آبائه وأمهاته من يوم وجد أصله الظاهر آدم عليه السلام إلى تمام فروع أنواره فيما لا نهاية له من بطون الآخرة، ويحيط بكيفيات عبادته يقظة ونوما وما يراد به وما طلب من ربه وما أجيب به وما خاطب به الخلق عموما وخصوصا وما أجابوه به، وألقيت ياقوتة صفائه صلى الله عليه وسلم في قلبه، ويعلم جميع ما اقتضته ماهية الوجود، وعنده من الذوات بعدد ذوات الفقراء أصحاب سيدنا رضي الله عنه وعنهم به فكلما ازداد فقير يزيد الله له ذاتا تقابله، فإنه ينزل منزلة الشيخ رضي الله عنه في كل مقول ومفعول يولي ويعزل. وتشترط فيه أخلاق النبوة وعلمها وسياستها ظاهرا وباطنا ومحبتها للخلق والشفقة عليهم والنظر فيهم وجه الله ووجه نبيهم عموما في العموم وخصوصا في الخصوص، فلا يحيد عما كنشته يد القدرة الإلهية ولا يحب زواله بل ينفذه بالله ببركة شيخه وينسب الولاية لشيخه متبرئا من نفسه».
وممن عرف بوصوله إلى هذه المقام من أتباع الشيخ أحمد التجاني في حياته وبعد انتقاله رضي الله عنه، على سبيل المثال فقط لا الحصر:
-
سيدي علي حرازم.
-
سيدي محمد بن العربي الدمراوي.
-
سيدي علي التماسيني.
-
سيدي محمد الحافظ الشنقيطي.
-
سيدي محمد الغالي.
-
سيدي عمر الفوتي.
-
سيدي محمد الكنسوسي.
-
سيدي الحسن الإفراني.
-
سيدي الحسن البعقيلي.
-
سيدي سكيرج.
-
سيدي النظيفي.
-
سيدي العربي بن سائح.
-
سيدي أحمد حماه الله.
-
سيدي إبراهيم نياس.
وفي مايلي عرض لسير بعض خلفاء الطريقة التجانية، الذين كانت لهم آثار ظاهرة في مجريات الأحداث بالقارة الأفريقية.
أولا: السيد محمد الحافظ العلوي الشنقيطي
هو أبو عبد الله محمد الحافظ العلوي الشنقيطي، أحد أصحاب الشيخ أحمد التجاني، المفتوح عليهم بالولاية الكبرى والخلافة، ويروى في قصة أخذه للطريقة التجانية أنه لما تمكن من علوم الظاهر، وصار إماما يرجع إليه فيها، عزم عام (1789م) على الحج وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وجعل من أهم مقاصده التي يطلبها في رحلته تلك ملاقاة شيخ كامل من أهل الله تعالى، وقد حقق الله تعالى له رجاءه، فالتقى بالخليفة سيدي الحاج علي حرازم رضي الله عنه ،فأخبره رضي الله عنه بأمر الشيخ التجاني؛ فأخذ بمجامع قلب الشيخ الحافظ ،فتوجه إلى فاس بعد أدائه الحج والزيارة، وأقام عند الشيخ رضي الله عنه بزاويته ،فتربى على يد الشيخ، وحين أراد الرحيل إلى بلده، أجاز له الشيخ رضي الله عنه في الطريقة إجازة مطلقة وقيده فقط في أن لا يزيد في التقديم على عشرة.
وعند مواعدته للشيخ رضي الله عنه قال له: أوصني! فأوصاه الشيخ رضي الله عنه قائلا: «لا تظهر بنفسك حتى يكون الله تعالى هو الذي يظهرك».
فاتفق أنّ رجلا ممن كان يشار إليه بالصّلاح ملاقاة الخضر عليه السلام أتاه ذات يوم بعد أن صلّى العصر بتلامذته وجلس إليهم يذاكرهم.
فلما دنا هذا الرجل من المجلس قيل له: هذا فلان!
فقال: سبحان الله! ثم قام إليه ورحب به وأجلسه إلى جنبه، فامتنع الرجل أن يجلس إلا بين يديه .
ثم قال له: أتدري لماذا أتيتك؟ قال: لا .
قال: أتيتك بإذن لتعطيني الأمانة التي أتيت بها من التل.
فقال له: يا سيدي، وأي شيء أتيت به من التل؟ إنما أتيت ببعض الكتب، فإن كان لك غرض في بعضها جئتك به وهو لك.
فقال له الرجل: دعني يا سيدي من هذا وإنما أتيتك لتعطيني ورد الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه الذي أتيت بالإذن فيه. فأذن له في الورد.
فقام جميع من حضر ذلك المجلس ورغب إليه في تلقينه إياه، وسار كل واحد منهم إلى أهله وعشيرته فقص عليهم خبر السيد المذكور فلم يبت بيت في تلك الليلة من البيوت القريبة من منزل الشيخ الحافظ إلا وبات فيه ذكر الشيخ رضي الله عنه.
ومن الغد أتاه الناس أفواجاً للأخذ عنه ثم تواصل ذلك وتراسل، فانتشرت الطريقة على يده أيّ انتشار في موريتانيا، وأسس أول زاوية بموريتانيا، وتخرج على يده في تلك الأقطار عدد لا يحصى من الرجال، وخلفه عشرة من المقدمين أشهرهم مولود فال، وانتقلت الطريقة التجانية من موريتانيا إلى السنغال ومالي .
توفي رضي الله عنه سنة ( 1247هـ /1838م).
ثانيا: الشيخ عمر الفوتي
هو الحاج عمر بن سعيد بن عثمان بن المختار تال الفوتي الطوري الكدوي، ينتمي إلى قبيلة تال التي هاجرت من موريتانيا، واستقرت بمنطقة فوتاتور. ولد رضي الله عنه في شهر رمضان عام ( 1213هـ/1797م) بقرية حلوار بشمال السنغال. ونشأ نشأة دينية فحفظ القرآن وتلقى العلوم الشرعية، وقعد لتدريس الأطفال القرآن والسنة النبوية المطهرة.
وأخذ الطريقة التجانية أول الأمر من الشيخ مولود فال أحد المقدمين العشرة للشيخ محمد الحافظ الشنقيطي، ثم لازم الشيخ عبد الكريم بن أحمد الناقل الفوتجلي التنبوي، وأخذ عنه كذلك علم العروض. ويرجع سند الشيخ عبد الكريم إلى الشيخ محمد الحافظ بن مختار الشنقيطي كذلك، ثم التقى عام (1828م) في الأراضي الحجازية بالشيخ محمد الغالي بو طالب الشريف الحسني؛ وهو من خاصة أصحاب الشيخ التجاني رضي الله عنه وممثله في الآراضي الحجازية، فلازمه سنين، وجدد له الطريقة وأذن له في فعل جميع ما يفعله الخليفة و أملى وكتب له الإجازة بذلك، وأمره بالعودة إلى وطنه، وولاه الخلافة وكلفه بإصلاح جميع الأحوال الفاسدة فيها.
زار الحاج عمر الفوتي أثناء رحلة عودته من الأراضي الحجازية العديد من البلدان، ومنها مصر، وجرى بينه وبين علماء الأزهر مناظرات علمية دقيقة في متشابه القرآن الكريم، وغريب الحديث، واللغة، والمنطق، والمعاني، بان فيها تضلعه من تلك العلوم والفنون.
وقد عمل على نشر الإسلام في منطقة فوتا تور وحوض نهري السنغال والنيجر، فقاتل ضد الاحتلال، وتمكن من بسط نفوذه من السنغال حتى تمبكتو قرب النيجر، وحقق نجاحات على ذلك الصعيد، مما جعل القبائل تمجد الإسلام فدخلت في دين الله أفواجا، وتمكن من تأسيس إمبراطورية إسلامية عرفت بإمبراطورية التكرور، وبلغ امتدادها السنغال ومالي وغانا .
كما أولى الحاج عمر الفوتي اهتماما بتنصيب المقدمين المصلحين لنشر الدعوة الإسلامية في غرب أفريقيا. ومن أبرز هؤلاء المقدمين الذين كان لهم أثر كبير في الحركة الإصلاحية للحاج الفوتي:
-
الشيخ ألفا مولر وابنه موسى، الذي تمكن من توحيد الماندين وتولي حكم دولة الفولاني التابعة لفوتاجلو. وقد اهتم بإنشاء دور العبادة ورفع قدر العلماء والفقهاء حثا لهم على نشر الدين الإسلامي بين الجماعات الوثنية، فبدأت القبائل في اعتناق الإسلام، ويرجع إليه الفضل في اعتناق أهالي غينيا بيساو للإسلام. ونعمت المنطقة بفترة من الهدوء والاستقرارفترة حكمه. توفي سنة (1881م)، وخلفه ابنه موسى الذي سار على نهجه وأسس دولة إسلامية قوية، وانتشر الإسلام في بلاد السودان أيما انتشار، وجددت معظم القبائل إسلامها، كما انتشرت الطريقة التجانية، إلى جوار الطريقة القادرية التي كانت سابقة الوجود.
-
الشيخ مابا جاخو عينه الحاج عمر الفوتي في شمال السنغال، واستطاع أن يؤسس ولاية إسلامية في جامبيا بعد أن ربط بين الولايات الإسلامية القوية فيها وذلك عام ( 1270هـ /1860م). توفي بعد قبض المستعمر عليه ونفيه عام (1913م.)
وقد أولى الحاج عمر الفوتي رضي الله عنه عناية خاصة بالتعليم، إذ دعا إلى تغييرات جذرية في النظام التعليمي للمسلمين، وعمل على تحسين سلوكهم الخلقي وحياتهم الروحية والمادية.
فقام الحاج عمر الفوتي ببناء مراكز التعليم والتربية في منطقة فوتاجالون فالتحقت به مجموعات كبيرة من أبناء المنطقة الراغبين في النهل من معارف الحاج عمر الفوتي الغزيرة، وبعد تخرجهم بعث بهم إلى مناطق مختلفة من فوتا لنشر الإسلام، وتصحيح العقائد الدينية، كما كان لفضيلته إنتاج فكري وأدبي متنوع بين كتب ومنظومات ورسائل منها:
-
أصول الديانة الإسلامية.
-
تذكرة الغافلين عن قبح اختلاف المؤمنين.
-
رسالة النصح المبين.
-
رماح حزب الرحيم.
-
قصيدة تذكرة المسترشدين وفلاح الطالبين.
-
المقاصد السنية.
-
منظومة في التوحيد.
-
هداية المذنبين إلى كيفية الخلاص من حقوق الله والعباد أجمعين.
كما قام رضي الله عنه ببناء الزوايا لنشر تعاليم الطريقة التجانية، وأسس زاوية دياقونكو (Diagouko) ودانجراي (Dangra) عام ( 1838م)، وازدهرت الطريقة التجانية في جنوب الصحراء على يديه، وأصبحت المدن الكبرى مثل نيورو (Nioro) وسيقو (Ségou) بمثابة المنافذ التي انتقلت من خلالها الطريقة إلى كامل المنطقة، فمن مدينة نيورو وصلت الطريقة التجانية إلى المناطق الساحلية التي تقع فيها كوت ديفوار.
مات رضي الله عنه شهيدا وذلك نتيجة لمؤامرة حاكها ضده أعداؤه من الوثنيين (البامبرا) والقوى الاستعمارية، وذلك سنة 1864م.
ثالثا: الشيخ أحمد حماه الله
هو الشيخ أحمد حماه الله بن محمدُّ بن سيدنا عمر، هو شريف حسني. ولد رضي الله عنه حوالي سنة (1300هـ/1882م)، ونشأ يتيما في كنف أمه بمدينة نيورو (Nioro) بمالي، ولم يكن له نصيب من طلب العلم.
ولما بلغ السابعة عشرة من عمره قدم إلى مدينته شيخ جزائري هو الشيخ محمد الأخضر بن عبد الله الشريف الإدريسي الحسني (تـ 1327هـ/1909م)، وهو أحد خلفاء الشيخ الطاهر بو طيبة التلمساني الشريف الحسني (تـ 1295هـ)، الذي يعد من خاصة الخاصة من أصحاب الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه؛ فقد صحبه قبل وبعد الفتح الأكبر، وقام بخدمته طيلة خلواته التجريدية بصحراء أبي سمغون، ومن جملة خلفائه، وكان وصول الشيخ محمد الأخضر إلى مدينة نيورو (Nioro) عام (1900م) بعد رحلة طويلة طاف فيها كثيرا من المدن والحواضر آن ذاك ونشر خلالها الطريقة التجانية وقام بتنصيب العديد من المقدمين، وقد مكث بمدينة نيورو (Nioro) عامين قبل أن يلتقي بالشيخ حماه الله، فلما لقيه لقنه الورد التجاني وأعطاه أسرارا عالية وشهد له بالخلافة ودعا الناس إلى التجديد على يديه وأقام معه ولازمه حتى توفاه الله رضي الله عنه.
وقد تكاثر أتباع الشيخ أحمد حماه الله بعد وفاة شيخه الشريف محمد الأخضر بشكل كبير، حتى إن بعض معاصريه من شيوخ التربية كان يرى تلامذته تتركه منجرفة في سيل لا يتوقف جريانه إلا عند باب الشيخ حماه الله في نيورو (Nioro). وكم من شيخ ذهب إليه وأصبح تلميذه إلى جانب تلامذته السابقين، وبايعته القبائل وأفخاذها، والعشائر وبطونها، والقرى والمدن والأعراق من عرب وسودان.
ولما بلغ صيت الشيخ رضي الله عنه المستعمر الفرنسي آن ذلك، حاول جاهدا تجنيد الشيخ وإخضاعه، ولكن باءت محاولاته بالفشل، فقام بالقبض عليه ونفيه، وكان من أهداف هذا النفي التخلّص من تأثير الشيخ حماه الله بمالي وما حولها من المناطق، وفصله عن أسرته وذويه وأتباعه، واستمر نفيه نحو عشر سنين، إذ أخرجه المستعمر من داره عام ( 1344هـ) وذهبوا به إلى مدينة بماكو (Bamako) ومكث بها شهرين، ثم ذهبوا به إلى مدينة عاصمة السنغال آن ذلك، ومكث بها سبعة أشهر ثم ذهبوا به إلى مدينة المذرذرة (Mederdra) الموريتانية، وقضى بها ثلاثة أعوام وعشرة أشهر إلا أربعة ليال، وقد اختار المستعمر تلك المدينة بعناية محاولة منه لوضع الشيخ في خلاف ديني وصراع مستمر مع السكان المحليين الذين يغلب عليهم الاعتناء بظاهر الشريعة، ويكثر فيهم الإنكار على التصوف والصوفية، ولكن خاب ظن المستعمر الفرنسي؛ إذ لاقى الشيخ من سكان المدينة كل إكبار وإجلال، وتوافدت الوفود الزائرة محملة بالهدايا النفيسة، وقدرت حمولة تلك الهدايا بألفي كيلو جرام، وذكر أنه خلال مدة إقامته رضي الله عنه بالمذرذرة لم يولد ولد إلا وسمي عليه احتفاء بالشيخ وتيمنا للولد .
لما رأى المستعمر أن خطته لم تؤت ثمارها، وباءت محاولاته لشراء ذمة الشيخ رضي الله عنه بالفشل، عزم على نقل الشيخ إلى مجتمع غير مسلم، فتم نقله (1348هـ/1930م) إلى قرية أدزوبي (Adzopé) الواقعة جنوب كوت ديفوار، التي كانت على الوثنية، ورغم ذلك وقع حبه في قلب السكان وأقبلوا عليه يزورونه ويسمعون منه، وقضى بها خمسة أعوام وعشرة أشهر وخمسة أيام، وبعدها أطلق المستعمر سراحه فوصل إلى مدينته نيورو (Nioro) عام ( 1354هـ/1936م). وفي شهر يونيو من العام (1941م) قامت القوات الاستعمارية باعتقال الشيخ أحمد حماه الله مجددا، وفي هذه المرة نقلته إلى فرنسا، وأعلنت عن وفاته رضي الله عنه عام ( 1945م)، وأنه توفي بتاريخ ( 19 /01/ 1943 م.)
رابعا: الشيخ إبراهيم نياس
هو الحاج إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن مدنب بن بكر بن محمد الأمين بن صنب بن الرضي، ويتصل نسبه بعقبة بن نافع القرشي الصحابي الجليل.
ولد رضي الله عنه بعد عصر الخميس 15 من شهر رجب عام ( 1320هـ)، الموافق (17/10/1900م)، في قرية طيبة نياسين التي أسسها والده الحاج عبد الله رضي الله عنهما، بالسنغال.
نشأ الشيخ إبراهيم نياس في أسرة دينية وعلمية، فتربى تربية إسلامية متميزة ،فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، كما كان حال جميع أفراد أسرته، فقد عرفت أسرته منذ قديم الزمان باهتمامها بالقرآن حفظا ونشرا وتدريسا، وتوارثوا ذلك الاهتمام جيلا عن جيل. وكان أبوه الحاج عبد الله عالما معروفا ومن المناضلين ضد المحتل، كما كان من مشايخ الطريقة التجانية، وكان له الكثير من الطلاب والأتباع، فأخذ عن أبيه الطريقة التجانية، ثم أخذها عن العديد من المشايخ فحصل على خمسين إجازة وتقديم، خولته معرفة أسرار الطريقة، فضلا عن الأذواق التي لايفوه بها اللسان ولا تسطر على الأوراق على حد تعبير والده الحاج عبد الله رضي الله عنهما.
وتبحر الشيخ إبراهيم نياس في أصول الدين والعلوم الشرعية واللغوية والأدبية والثقافة الإسلامية، فتأهل للأستاذية، وتخرج على يدي الشيخ إبراهيم نياس أفواج من الطلاب والتلاميذ في جميع أنحاء غرب أفريقيا، وقد اهتم بتدريس اللغة العربية ونشر الثقافة العربية في الدول الأفريقية، فسعى إلى إقناعها بإدخال اللغة العربية في التعليم الرسمي، كما صنف رضي الله عنه العديد من المصنفات ،وكتب كتابه الأول وهو في العشرين من عمره، فوصل عدد كتبه ومصنفاته إلى 50 مصنفا بين منثور ومنظوم في مواضيع متنوعة، ومنها ما يلي:
-
كاشف الإلباس عن فيضة الختم أبي العباس.
-
السر الأكبر والنور الأبهر.
-
تنبيه الأذكياء في كون الشيخ التجاني خاتم الأولياء.
-
تبصرة الأنام في جواز رؤية الباري في اليقظة والمنام.
-
الفيض الأحمدي في المولد المحمدي.
-
تيسير الوصول إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
-
روض المحبين في مدح سيد العارفين.
-
روح الحب في مدح القطب.
-
رفع الملام عمن رفع وقبض اقتداء بسيد الأنام.
-
تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية.
-
مناسك الحج المبارك.
-
التوسل بالفاتح لما أغلق.
-
تحفة الأطفال في حقائق الأفعال.
ولما تمتع به الشيخ إبراهيم نياس من علو الكعب في العلوم الشرعية والعرفانية، فقد احتل مكانة بارزة على مستوى العالم، فكان محل تكريم في جميع دول العالم، وقد نشأت بينه وبين مشايخ الأزهر الشريف صلات قوية، حتى إنهم قلدوه منصب الرئاسة الشرفية لجامعة الأزهر وأطلقوا عليه لقب «شيخ الإسلام». ويذكر أن الشيخ إبراهيم نياس رضي الله عنه هو أول أفريقي غير مصري ينال شرف إمامة المسلمين في صلاة الجمعة بالجامع الأزهر الشريف منذ إنشائه، وكان ذلك عام ( 1381هـ /1961م.)
لقد صار الشيخ إبراهيم نياس- رضي الله عنه- الأب الروحي لملايين المريدين على امتداد منطقة غرب أفريقيا، وتقلد العديد من المناصب الهامة على الصعيد الدولي، فقد كان:
-
نائبا للرئيس ثم رئيسا للمؤتمر الإسلامي بكراتشي.
-
عضواً مؤسساً لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
-
رئيسا مؤسسا لمنظمة الاتحاد الإفريقي لدعاة الإسلام.
-
عضواً مؤسساً في جمعية الجامعات الإسلامية بالرباط.
-
عضوا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.
-
عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
-
عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر باقتراح من الرئيس الجزائري بومدين.